د. مصطفى النجار

أقباط العامرية بين العرف والقانون

 الإثنين، 13 فبراير 2012 – 22:28

مثلها مثل كثير من الحوادث الطائفية التى تشتعل فى مصر، أنباء عن علاقة آثمة بين شاب مسيحى وفتاة مسلمة أو العكس، ومن ثم تندلع الفتنة وندخل فى السجال المتكرر الذى ينتج عنه إزهاق أرواح البشر أو الاعتداء على ممتلكاتهم أو حرق بيوتهم، وفى هذه المرة تطورت المسألة إلى ما قيل عن تهجير عدد من الأسر المسيحية بعد جلسة صلح عرفى.   قرية شربات بمدينة النهضة بالعامرية بــ«الإسكندرية»  هى قرية مصرية بسيطة يعيش فيها عدد من العائلات القبطية بجوار إخوانهم المسلمين منذ فترة طويلة، استيقظت القرية  على خبر  يتحدث عن علاقة شاب قبطى يدعى «مراد سامى جرجس» بفتاة مسلمة.  واندلعت أحداث عنف بالقرية ضد أسر قبطية انتقاما من الشاب القبطى الذى قيل إنه على علاقة آثمة بالفتاة المسلمة، الاعتداء لم يكن على عائلة الشاب المتهم بل على عائلات مسيحية أخرى على رأسها عائلة ابسيخرون خليل سليمان، وهو أحد كبار القرية والمعروف عنه حكمته، كما أنه  من الرؤوس الاقتصادية بالقرية.   لم يكن لهذا الرجل ولا الأسر الأخرى التى تم الاعتداء على منازلها وممتلكاتها أى علاقة بالشاب المتهم، ولكنهم دفعوا ثمن أنهم أقباط فقط لينالهم جزء من الانتقام، وتحركت رموز سلفية بالقرية لحماية أرواح هذه الأسر بعد أن انسحبت الشرطة من القرية وقالت للأقباط نحن نريد من يحمينا فكيف نحميكم طبقا لرواية شهود عيان بالقرية.   وتم عقد مجلس صلح عرفى كالعادة بحضور ممثلين من الكنيسة وشيوخ من القرية وانتهى المجلس إلى ضرورة إخراج عدد من الأسر القبطية خارج القرية وبيع ممتلكاتهم حفاظا على أرواحهم من الاعتداء عليها إذا ظلوا فى سكنهم بالقرية.   ما حدث شىء لا يصدقه عقل، فلا هو قانونى ولا هو يتماشى مع الشرع ولا ترضاه أى أعراف ولا شرائع، لماذا يأخذ أبرياء بذنب شخص لا علاقة لهم به؟ لماذا تصدر أحكام عرفية بتهجير أسر من منازلها وبيع ممتلكاتها وبحضور ممثلين عن الكنيسة؟ كيف تشارك الكنيسة فى إهدار القانون؟ وكيف تشارك الشرطة فى ذلك وتقوم برعاية مثل هذه المجالس التى تخالف شرع الله وتخالف القانون وكل الأعراف  والقيم الإنسانية؟  حين سألت بعض الأقباط عما حدث قالوا لى إنهم يتفهمون ما حدث لأنه لن توجد حماية لهذه الأسر المسيحية إذا استمروا فى سكنهم بمنازلهم وقد يدفعون حياتهم ثمنا لذلك، ولذلك فإنهم آثروا السلامة.   أتخيل نفسى وأنا أقوم مرغما بترك بيتى وبيع ممتلكاتى رغما عنى لأننى أخاف على حياتى وحياة أبنائى من الخطر لأنه لا يوجد قانون يحمينى ويعطينى أبسط الحقوق فى الشعور بالأمان فى وطن أنا أحد مواطنيه.   أتخيل نفسى أدفع ثمن خطيئة شخص آخر – إن ثبت اتهامه – لا لشىء إلا لأن دينه هو دينى فقط، وكأن انتمائى الدينى أصبح اتهاما وسببا لإيذائى واضطهادى.  سأكفر حينها بهذا الوطن الذى يجعل انتمائى الدينى سببا لعقابى بلا ذنب اقترفته، سأكفر حينها بالوطن الذى يعلى شريعة الغاب ويجعل للبطش والإجرام والكراهية والظلم اليد العليا فى تسيير أمور الحياة.   ما حدث فى قرية شربات بالعامرية جريمة غير مسبوقة وانتهاء القضية بهذا الشكل يفتح الباب لممارسات أشد سوءا تضيع فيها الحقوق وتنتهك فيها الحرمات تحت أى دعوى واتهام.  إن إلغاء نتائج وقرارات هذا المجلس العرفى هو أول خطوة يجب أن تتم فورا وإحالة الأمر برمته للقضاء والمساءلة القانونية لإرساء دولة القانون مع توفير الحماية لكل مواطن مصرى أيا كان دينه وهذه مسؤولية الدولة.   سيجتمع اليوم بالبرلمان وفد يضم عددا من الرموز السياسية والقبطية لمناقشة هذه القضية ومراجعة هذه القرارات التى صدرت عن المجلس العرفى بحثا عن إقامة العدل وإرساء قيمة المواطنة الحقيقية فى مصر الثورة التى يجب أن تعلى قيمة القانون على الجميع وبلا أى حسابات طائفية أو غيرها، وإذا لم نعمل جميعا على تحقيق العدالة فلن يكون هناك وطن ولا مستقبل لأبناء هذا الوطن.

Leave a Reply

Your email address will not be published.

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.