برلمان الثورة.. صبر جميلالنائب مصطفى النجار

مصطفى النجار   Sun, 12/02/2012 – 21:00

لم يتخيل أحد فى مصر أن يأتى يوم تصبح فيه مشاهدة جلسات البرلمان أهم عند المصريين من مشاهدة المباريات والأفلام والمسلسلات، أصبح المنظر رائعا للغاية وأنت تسير فى الشوارع أثناء انعقاد الجلسات بالبرلمان وإذاعتها على الهواء مباشرة لترى كل المحال والمقاهى تتابع القناة التى تنقل الجلسات ويلتف الناس حول التلفاز بكل اهتمام وإنصات وتركيز وشغف غير معهود.   شعر المصريون، لأول مرة، بأن السياسة هى التى تحدد شكل حياتهم ومستقبل أبنائهم، لذلك أصبح من أولوياتهم متابعة برلمانهم الذى يعولون عليه الكثير والكثير، توقعات المصريين من البرلمان بلا حدود، لأنهم يشعرون بأن هذا البرلمان هو صنيعة أيديهم واختيارهم حين وقفوا فى الطوابير الطويلة والممتدة ليختاروا من يمثلهم، يشعر المصريون بأن هذا البرلمان هو المؤسسة الوحيدة التى جاءت حتى الآن باختيارهم وبرغبتهم، لذلك فإنهم ينتظرون منه أداء يعزز ثقتهم ويجعلهم يرتاحون لاختياراتهم التى أفرزت هذا المجلس.   لم يمر على هذا البرلمان شهر حتى الآن، وما إن بدأ الانعقاد حتى توالت الأحداث وتتابعت رغم ازدحام أجندته التشريعية، ولزاماً على هذا البرلمان أن يتفاعل مع كل الأحداث بلا استثناء، لكن من الظلم البين التسرع فى الحكم على أداء المجلس بعد 20 يوما فقط من بدء انعقاده، تعالت بعض الأصوات – مؤخراً – التى أخذت تتحدث عن شرعية البرلمان وشرعية الميدان، وكأن هناك تعارضا بينهما، وأخذ البعض فى السخرية من أداء البرلمان وبعض نوابه، وبدأوا فى نشر رسائل سلبية للمصريين، مفادها أن هذا البرلمان قد خذلهم وأنه ليس برلمان الثورة.. وما إلى ذلك من خطابات متسرعة.   هناك واقع ومعطيات أساسية لابد من التعاطى معها ونحن نحكم على البرلمان وأدائه، أول هذه المعطيات حداثة التجربة وضرورة إعطاء مزيد من الوقت لتنضج، وثانيها هو واقع الشارع المصرى الذى تم تجريف شخصيته الإنسانية على مدى عقود ممتدة، بما فيها الأفق السياسى والممارسة السياسية التى كانت منعدمة، ولذلك فإن هذا لابد أن ينعكس على أعضاء البرلمان الذين هم جزء من هذه الحالة العامة فى مصر، فلا ينبغى أن ننتظر من أغلب هؤلاء الأعضاء – على الأقل الآن – أداء يشابه أداء النحاس باشا أو مكرم عبيد أو ممتاز نصار وغيرهم من عمالقة السياسة الذين تمرسوا فى العمل العام حتى أصبحوا رموزا لا ينساها التاريخ المصرى.   كل الأحداث التى تحدث وبيئة الحوار، التى تبدو أحيانا غير صحية داخل البرلمان، يجب تفهمها فى ظل مجتمع لم يمارس العمل الجماعى ولا حرية الرأى والتعبير، ولا يمكن أن ننتظر أداء مفاجئاً لأن كل إناء ينضح بما فيه، والبرلمان هو انعكاس لصورة وواقع المجتمع المصرى الذى أصابه الكبت والقهر والقمع بآفات كثيرة ستأخد وقتا للشفاء منها والتعافى بصورة كاملة.   نحن فى سنة أولى ديمقراطية والمجتمعات الإنسانية تتدرج فى التطور الديمقراطى بالممارسة، وحتى مزاج المواطن الانتخابى يتطور بالممارسة حيث يختلف ترتيب أولوياته ومحددات هذا الاختيار مما يجعله يختار بطريقة مختلفة عن الاختيار الأول.   ليس من مصلحة الثورة ولا الثوار الاصطدام مع البرلمان أو عداؤه، ليس من مصلحة الثوار أن يقفوا فى مواجهة البرلمان صاحب الشرعية الأولى الآن فى مصر بناء على اختيار ملايين المصريين له، بل يجب على الثوار دعم هذا المجلس وتعزيز قدراته والوقوف خلفه بكل قوة لضمان تحقيق أهداف الثورة وإتمام خطوات التحول الديمقراطى، مهما بدا أداء الأغلبية مخيباً لبعض الناس، إلا أنه لا توجد أغلبية ولا أقلية تستطيع تجاهل صوت الشارع وأحلام الناس، اعتزازنا ببرلماننا المنتخب ودعمه هو الخطوة الأولى لإتمام بناء المؤسسات الوطنية التى سيتطور أداؤها مع الممارسة.   فلتمض خطواتنا بأيد متشابكة وأحلام وآمال تجمعنا فى مستقبل أفضل يستحقه هذا الشعب، ومهما لاقينا فصبر جميل على برلماننا.  

Leave a Reply

Your email address will not be published.

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.